دبي بعد عشر سنوات

 دبي بعد عشر سنوات

سيرغي كراسنوغور – صحيفة البيان الإماراتية

قبل نحو ستة عشر عاماً نزلنا من الطائرة القادمة من موسكو، ولامست أقدامنا للمرة الأولى أرض دبي.

لم يسبق لي قبل ذلك زيارة هذه المدينة الرائعة، ولم تتح لي الفرصة للعمل في بلد خليجي، حيث عملت مدة طويلة في بلدان مختلفة من الوطن العربي، من بينها اليمن ومصر والأردن وتونس وسوريا. وترك كل بلد عملت فيه بصمة لا تُنسى في قلوبنا. بدا لنا قبل مجيئنا إلى دبي أننا نعرف بلدان الشرق الأوسط جيداً، لكن اتضح لدينا أن دول الخليج العربي كانت توجهاً جديداً لنا في عملنا الدبلوماسي.

لا يخفى على أحد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تحتل مكانة رائدة بين دول الخليج. وأصبحت دبي بفضل البصيرة الاستراتيجية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

قاطرة التحول الحديث للمجتمع الإماراتي، الذي وضع لنفسه أهدافاً طموحة تتمثل في تحويل هذه الإمارة إلى مدينة عالمية حديثة ذات تطور وعمران حضاري فريد وبنية تحتية مناسبة لأنواع مختلفة من الأعمال والنشاطات، وأن تكون الحياة فيها مريحة لجميع السكان المحليين والمقيمين من الجنسيات والشعوب الأخرى.

بدت لنا دبي واحة ضخمة سريعة التطور، وموقعاً واسع النطاق للبناء، حيث ساهم المهندسون المعماريون من مختلف بلدان العالم، جنباً إلى جنب مع مواطني الدولة، بتحويل أفكارهم الرائعة إلى مشاريع تنبض بالحياة. تحولت دبي تدريجياً إلى مركز دولي تجاري وثقافي وسياحي متعدد الجنسيات. والمثير للدهشة هنا أن القيادة الرشيدة تمكنت من الحفاظ على هوية ومكانة السكان المحليين وعدم الذوبان في هذا المحيط من الأجانب الذين يتدفقون على دبي.

خلال لقاءاتنا بممثلي مختلف الهيئات الحكومية في دبي كنا نستمتع بأحاديثنا باللغة العربية، إذ لطالما ساعدنا في عملنا الدبلوماسي حب اللغة العربية وشغفنا بالحضارة العربية.

وأود أن أشير أن لزوجتي علاقة خاصة باللغة العربية، فهي صحفية وأستاذة لغة عربية، ولطالما تستشهد بأقوال الشاعر الروسي الكبير ألكساندر بوشكين الذي كان معجباً باللغة العربية وموسيقاها والحكمة والفلسفة التي فيها، وكان معجباً كذلك بالحضارة الإسلامية وبالقرآن الكريم الذي خصه بقصائد من أجمل ما جادت به قريحة الشاعر، أطلق عليها اسم «نفحات من القرآن».

أصبحت الإمارات اكتشافاً رائعاً بالنسبة لنا! فكلما تعرّفنا على ثقافة الإمارات وتقاليدها، ازداد فهمنا لهذا البلد وشعبه الكريم، وازداد احترامنا وحبنا له، خلال عملي في دبي كنت أعتبر أن مهمتي كممثل لروسيا وقنصلاً عاماً وكإنسان هي المساهمة في التقارب بين شعوبنا المحبة للسلام من خلال التفاهم والاحترام المتبادل، بناءً على معرفة تاريخ وخصائص شعوبنا.

لذلك أجريت محادثات منتظمة مع مواطني روسيا الاتحادية الذين قدموا إلى دبي. وكنا نراعي في مختلف المناسبات التي تقيمها القنصلية العامة في دبي أن نفتح صفحات التاريخ والثقافة الروسية لأبناء هذا البلد الكريم، ونتحدث عن عاداتنا وثقافتنا وتقاليدنا. وأتذكر مدى الاهتمام الذي أثاره الفيلم الوثائقي الروسي عن ظهور الإسلام في روسيا. وتحقق كل هذا بفضل القيادة الحكيمة للدولة التي تكفل السلام والأمن والنظام والشرعية لكل من يعيش في الإمارات.

منذ أكثر من 10 سنوات غادرنا دبي، التي نسميها بيتنا الثاني. وقد قمنا خلال وجودنا في الإمارات بكل ما سمح الله لنا أن نفعله بمحبة واحترام ورغبة كبيرة في تقوية وتطوير علاقات الصداقة بين بلدينا وشعبينا. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على تهيئة الظروف المناسبة لتنفيذ هذه المهمة النبيلة.

كانت دبي تنمو أمام أعيننا، وتظهر كل يوم أبنية جميلة ومشاريع متميزة وفنادق جديدة ومراكز تسوق ضخمة ومتاحف وأحياء سكنية رائعة ذات أبراج شاهقة، ولا بد أن أشير في هذا الصدد إلى برج خليفة الشهير… وجميع هذه المباني ذات طراز فريد وأنيق. كل شيء مدروس ومصنوع على أعلى مستوى، وهذه هي دبي!

‎بعد 10 سنوات من مغادرتنا لا تزال دبي الحبيبة مدينة مدهشة وفريدة من نوعها فائقة الحداثة، لا تتوقف عن إدهاشنا بمشاريعها الجديدة مع الحفاظ على نكهتها الفريدة!

ورغم ازدياد عدد السكان الأجانب في دبي، تبقى هذه المدينة كما كانت من قبل يسودها جو السلام والهدوء والأمان والقانون والنظام. والجميع يدرك أن هذا هو ثمرة السياسة الحكيمة لحكومة الدولة برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله.

* القنصل العام السابق لروسيا الاتحادية في دبي والإمارات الشمالية

أخبار ذات صلة

"https://uaeplus.ae/