أُكذوبة ضيق الوقت.. من اخترعها؟
د. راكان عبدالعزيز الراوي – صحيفة البيان الاماراتية
للكذب أنواع، من أشدّها الكذب على النفس؛ لأن الإنسان عندما يكذب على نفسه إنما يخدعها، مع احتمالية علمه المُسبق بهذا الخداع اللامنطقي، الذي يستهدف بشكل أساس عدم الاعتراف بنقطة ضعف معينة، أو عدم التسليم بوجود سلوك سلبي محدد، هو يعلم أنه يمارسه فعلاً في عالم الواقع.
مقال اليوم يسعى للربط بين الكذب على النفس من جهة، ومسألة ضيق الوقت من جهة أخرى، إذ إن عبارة ضيق الوقت تبدو لي مجرد أكذوبة تم اختراعها للتخلص من نقد الذات، وسوف نجتهد لإثبات أن ضيق الوقت أكذوبة، من خلال طرح مجموعة من الشواهد والبراهين التي ستقودنا أيضاً إلى تحديد مواصفات مخترع هذه الأكذوبة، وذلك من خلال النقاط الآتية:
– اخترعها إنسان لا يُدرك أن الوقت لا يمكن أن يتكيّف مع الفرد، بل ينبغي على الفرد أن يتكيّف مع الوقت؛ لأن للوقت مقداراً ثابتاً لا يتغير: 24 ساعة في اليوم، 168 ساعة في الأسبوع، 720 ساعة في الشهر المتكون من 30 يوماً، 8760 ساعة في السنة المتكوّنة من 365 يوماً.
– اخترعها إنسان لا يُدرك أن الوقت مجرد وعاء، يقوم الفرد ذاته بتقرير ما يضعه فيه من أعمال ونشاطات، سواء كانت أعمالاً شخصية أم مهنية.
– اخترعها إنسان لا يُدرك أن الوقت يمكن أن يُستثمر ويُضبط عن طريق التخطيط والتنظيم والتوجيه والتنسيق والرقابة والمتابعة، وهذا الأمر بطبيعة الحال يستلزم وجود مؤشرات رصينة للأداء.
-اخترعها إنسان لا يُدرك أن هناك مصفوفة تُسمّى مصفوفة «المستعجل والمهم»، يمكن أن يستعين بها لترتيب أولوياته، علماً بأن هذه المصفوفة تضم 4 مناطق، هي: نشاطات مُستعجلة ومُهمة، نشاطات مُستعجلة وغير مُهمة، نشاطات غير مُستعجلة ومُهمة، نشاطات غير مُستعجلة وغير مُهمة.
– اخترعها إنسان لا يُدرك أن أي نشاط في الغالب يستهلك أكثر من الوقت المخصص له؛ لذلك ينبغي على الفرد عند جدولة نشاطاته أن يخصص لكل عمل يود أن يقوم به أكثر من الوقت الأساس الذي يستلزمه، بمعدل لا يقل عن 25 % من ذلك الوقت الأصلي.
– اخترعها إنسان لا يُدرك أن أي نشاط في الأغلب يستهلك كامل الوقت المخصص له؛ لذلك ينبغي أن تكون نسبة الزيادة المذكورة في النقطة السابقة منطقية، وبعيدة عن المبالغة؛ للابتعاد عن إشكالية هدر الوقت، وتضييعه.
-اخترعها إنسان لا يُدرك خصائص الوقت، من حيث إنه لا يمكن تخزينه، ولا يمكن إحلاله، ولا يمكن اقتراضه، ولا يمكن مضاعفته، ولا يمكن تصنيعه، ولا يمكن تغييره، ولكن يمكن استثماره إن توفرت الإرادة، إلى جانب القدرة والرغبة.
– اخترعها إنسان لا يُدرك أن للوقت بُعدين، أحدهما مادي ملموس، والآخر نفسي غير ملموس. البُعد المادي يعتمد على حركة عقارب الساعة، والبُعد النفسي يعتمد على الجانب المشاعري؛ لذلك يُقال بأن الأوقات واللحظات السعيدة تمر بشكل سريع، والأوقات واللحظات الحزينة تمر بشكل بطيء، في حين أنها من حيث الساعات والدقائق تتصف بالثبات في كلتا الحالتين.
ختاماً نود أن نستشهد بما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب «ومضات من فكر: أفكار وآراء من وحي الجلسة الحوارية في القمة الحكومية 2013»، ضمن موضوع «إدارة الوقت وأهميته»، إذ يقول سموه: «ينظر البعض للسنة على أنها 365 يوماً، وأنا أقول لهم السنة الحقيقية هي مجموع الأيام التي استثمرتها في نفسك أو في أسرتك أو في مجتمعك أو لآخرتك. وهذه الأيام الحقيقية هي التي تكتب بها قصة حياتك وسيرتك، فاحرص دائماً عليها، ونظم وقتك، واعرف أولوياتك، واستمتع بحياتك، واترك أثراً يدل عليك، ولا تسمح أبداً لأي شخص بأن يسرق وقتك؛ لأنه يسرق حياتك».