الجيل الصامت
د. محمد النغيمش – صحيفة البيان الإماراتية
ينقسم الناس من حولنا إلى أجيال. ويعرف ذلك جيداً المسوقون. فهناك نحو تسعة أجيال، منها الجيل الصامت. وأفراد هذا الجيل ولدوا في الفترة بين عام 1928 إلى عام 1945. ويكنى الجيل بالصامت؛ لأنه عايش بذهول الحرب العالمية الثانية والكساد الكبير، وكان أقل معارضة وأكثر التزاماً بالنظم واللوائح، فقد سمي بالجيل الصامت «Silent Generation».
فهؤلاء الصامتون، لديهم ولعٌ بالراديو وميل وتقدير للعمل الجاد والولاء والمثابرة، وينعمون باحترام السلطة والتراتبية، ويتحلون باللباقة وحسن التعبير، وعادة ما يكون لديهم علاقات جيدة مع محيطهم، وعلمتهم الأزمات المرونة في التصدي للأحداث من حولهم، وفق ما ذكرت مجلة «hbr».
وعلى الضفة الأخرى، هناك أجيال أخرى لحقتهم، منها ما يسمى بالجيل الأعظم، وجيل الطفرة، وجيل x، وجيل الألفية، وجيل z، وجيل ألفا، وجيل رقائق الثلج، وأخيراً جيل كورونا.
فالجيل الأعظم هم الذين ولدوا بين عامي 1901 و1927، ودخلوا في ريعان شبابهم (سن الرشد) إبان الحرب العالمية الثانية، وربما قاتلوا فيها. وهناك جيل الطفرة، وهم «البي بي بومرز» baby boomers الذين شهد جيلهم طفرة في المواليد بعيد الحرب بين عامي 1946 و1964، كما هو شأن كثير من الحروب.
وهناك جيل x الذين ولدوا في منتصف الستينيات إلى منتصف الثمانينيات. ولديهم ميول اجتماعية ملحوظة ربما لأنهم ترعرعوا قبل فترة الإنترنت وما جلبته لنا من حالة الانعزال الفردي بالهاتف والحاسوب. فهم لم تنشأ علاقاتهم الأولية على تراسل نصي، بل كانوا أكثر اجتماعية واحتكاكاً بالناس، والمشي في الحارات والفرجان. وهناك جيل الألفية y. وهم من ولدوا في النصف الثاني من الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات. وهناك جيل z، الذين رأوا النور في الفترة ما بين منتصف التسعينيات حتى بداية الألفية الثانية. وهؤلاء عايشوا التكنولوجيا منذ نعومة أظفارهم. فهم أميل للصفحات الإلكترونية من الورق والصحف المطبوعة وما شابه مما يتشبث به الأجيال الماضية.
أما جيل ألفا فهم مواليد 2010 حتى 2025 ممن عاصروا وسوف يعايشون التكنولوجيا الرقمية المذهلة، وسوف يرون ثمار الذكاء الاصطناعي الذي سيخترق كل ميادين الحياة، من إشارة المرور، وعبور المشاة، والكهرباء والماء والمنتجات والخدمات، مروراً بالتجارة الإلكترونية ومحركات البحث وانتهاء بالجيوش الإلكترونية (حيث ستحارب طائرات الدرون كأسراب بالنيابة عنها).
وهناك جيل رقائق الثلج «الهشين» كما تشير التسمية فهم يتعرضون للهزات العاطفية فتجدهم أقل تقبلاً للآخر وأقل مرونة في مواجهة نوائب الدهر. وهم الذين ولدوا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي الختام، جاءنا جيل كورونا c الذين ولدوا في وسط أكبر جائحة في تاريخ البشرية وربما نكتشف مشاكلهم وتحدياتهم بعد ردح من الزمن.
أرى أننا كأمم صغيرة (أو دول) نحتاج إلى أن ندرس أجيالنا ونتأمل في خصائصها. كما فعلت إحدى الجهات السعودية غير الرسمية عندما قسمت شعبها إلى فئات منها جيل الطيبين، ومنهم على ما يبدو كاتب هذا المقال، حيث نسمي جيلنا في الكويت جيل الطيبين كذلك (جيل x). لا أعلم لماذا، ولكنه على ما يبدو شكل من أشكال التنمر اللطيف على الأجيال الأخرى. ما أقصده أن تكون هناك محاولة جادة وعلمية لدراسة الأجيال ليستفيد منها متخذو القرار، أو الناس أنفسهم ليفهم بعضهم بعضاً.
اختلافنا كأجيال، ليس مبرراً للصراع أو التندر، ولكنه سبب وجيه لتأمل اختلافاتنا، ومحاولة أن يكمل أحدنا الآخر. وألا يفرض جيل على آخر أساليبه أو تفضيلاته. فالعالم ما زال يسعنا جميعاً. وأدركت ذلك مبكراً كبريات الشركات فنجحت في استهدافنا بمنتجات وخدمات أشبعت رغباتنا، ولبت حاجاتنا جيلاً بعد آخر. وهذا ما ينبغي أن تدركه المنطقة العربية قبل فوات الأوان.