الرد الآلي.. والخيارات التي لا تنتهي!

 الرد الآلي.. والخيارات التي لا تنتهي!

عبد الله النعيمي – كاتب وروائي – الإمارات

عبدالله النعيمي كاتب وروائي ـ الإمارات

قبل سنوات طويلة كنا نتصل باستعلامات أي مؤسسة لنطلب تحويلنا إلى قسم معين، أو لنستفسر عن إجراء معين، وما أن ننتهي من طلب الخدمة، حتى يأتينا الرد وافياً من الموظف المختص، فنشكره وننهي المكالمة.

هذه السلاسة في التواصل وطلب الخدمة كانت في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أما اليوم، فالاتصال بأي مؤسسة أشبه ما يكون بالدخول في متاهة طويلة، تستنزف وقتك وطاقتك، وتخرج منها بخفي حنين، دون أي فائدة

تتصل، فيأتيك الرد الآلي، ويسرد عليك قائمة طويلة من الخيارات، وكل خيار، يتفرع إلى خيارات عديدة أخرى، وعندما تصل إلى المحطة الأخيرة، يطلب منك المتحدث الآلي الانتظار ريثما يرد عليك الموظف المختص، وفي هذه اللحظة تحديداً تضع يدك على قلبك، لأن انقطاع الخط وارد في أي لحظة، وعندها تجد نفسك أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما تكرار المحاولة الطويلة من جديد، أو صرف النظر عن الأمر برمته.

تتصل، فيأتيك الرد الآلي، ويسرد عليك قائمة طويلة من الخيارات، وعندما تصل إلى المحطة الأخيرة، يطلب منك المتحدث الآلي الانتظار!

 

في إحدى المرات فاض بي الكيل، فتواصلت بصفة شخصية مع مسؤول كبير في مؤسسة معينة، وأبديت له استيائي الشديد من غياب العنصر البشري في قسم الاستعلامات، وصعوبة التواصل مع متحدث آلي مبرمج على احتمالات معينة.. فما كان منه إلا أن تقبل الملاحظة بصدر رحب، وقال موضحاً: «كل تطوير يحتاج لبعض الوقت، وبدون الصبر على أخطاء البدايات لن نتمكن من تطوير أي خدمة».

لم أقتنع يومها كثيراً بكلامه، وقلت بلهجة هادئة نوعاً ما: «كلامك صحيح من الناحية النظرية، لكن العنصر البشري لا غنى عنه.. والإنسان يحتاج إلى إنسان مثله، يفهم ما يقول ويقدر الظرف الذي يمر به».

مرت على هذه المكالمة 3 سنوات تقريباً، والمعاناة –بالنسبة لي على الأقل– لا تزال مستمرة، وعملية إحلال التطبيقات محل الإنسان تجاوزت أقسام الاستعلامات، لتمتد إلى أقسام أخرى.. بعضها أجاد توظيفها، ووفر على المتعاملين الكثير من الوقت والجهد، والبعض الآخر فشل، وتسبب في تعطيل مصالح الناس.

كل ما ذكرته أعلاه لا يعني أبداً معارضتي لمفهوم الذكاء الاصطناعي وتطوير التطبيقات، فمسايرة التطورات التقنية ضرورة قصوى وبدونها سنتأخر عن ركب الأمم المتقدمة.. لكن العنصر البشري يبقى الأهم في منظومة العمل، وبدونه ستصبح الحياة مخيفة وصعبة.. وعمليات إحلال التقنية محل الإنسان يجب أن تكون متأنية ومدروسة.. بحيث تصبح داعمة للموظفين، وليست بديلاً لهم.. فالعمل مصدر رزق لملايين البشر، وليس مجرد تسيير لشؤون مؤسسات معينة.

أخبار ذات صلة

"https://uaeplus.ae/