الروتين والزحام في مطار برلين
عماد الدين حسين – صحيفة البيان
نشكو في مصر وبعض البلدان العربية كثيراً من الروتين والبطء والزحام، وضياع الوقت، وتلف الأعصاب في المؤسسات والمصالح والجهات الحكومية، وهي شكوى صحيحة، ولا جدال فيها، ولا ينكرها إلا أعمى أو مغيب!
لكن أن يحدث بعض من ذلك في ألمانيا، وفي مطارها الرئيس، فهذا أمر غريب وعجيب.
قبل أيام قليلة، عادت مجموعة من الأصدقاء من زيارة عمل إلى ألمانيا، وحكوا لي القصة التالية.
هم كانوا في مهمة عمل في برلين، وحينما انتهت، اتجهوا إلى مطار برلين في طريق العودة إلى القاهرة عبر مطار فرانكفورت، كمحطة ترانزيت.
وصلوا مطار برلين قبل موعد الرحلة بحوالي ثلاث ساعات، وهو وقت طويل نسبياً، ويفترض ألا يواجهوا معه أي تأخيرات محتملة.
البعض منهم أراد عمل «التاكس فري»، أو استرداد الضريبة التي دفعها لبعض المشتريات، باعتبارهم ليسوا مواطنين ألماناً، أو حتى مقيمين، بل مجرد زائرين عابرين.
وحينما ذهبوا إلى هذا الشباك في مطار برلين، وجدوا طابوراً طويلاً، استغرق نحو الساعة الكاملة، لكي يحصلوا على ختم على هذه الأوراق.
وحينما انتهى هذا الطابور، كان ينبغي الوقوف في طابور مماثل، للحصول على الأموال المستردة، والغريب أن السؤال الطبيعي الذي سأله الجميع، وهو لماذا لا يكون هناك أكثر من موظف لإنهاء معاملات العدد الكبير من المسافرين، لم يجد له جواباً لدى كثيرين.
أحد هؤلاء سأل السؤال لموظفة الشباك، فقالت له هذا هو النظام، وأنا موظفة أؤدي عملي، ولا أعرف الإجابة.
في هذه اللحظات، شعروا أن الوقت يجري، واحتمال فقدان الرحلة صار أمراً وارداً بقوة. فقرروا التنازل عن العملية بكاملها، والاتجاه إلى نقاط التفتيش الأمني للمرور إلى بوابات المغادرة.
هنا، كانت المفاجأة، أن الطابور الأمني أكثر طولاً من الطابور الأول. وهو يسير ببطء قاتل. أحدهم حاول شخصياً أن يطلب من الموظفين الواقفين أن يجعله يمر، لأن احتمال الوقت ينفذ، وقد يفقد الرحلة بكاملها، لكن إجابة الموظف الألماني كانت الرفض الصارم، ثم قال له لو أردت المرور، عليك الاستئذان من كل المسافرين أمامك!!
الرجل سلّم أمره إلى الله، وانتظر وأعصابه مشدودة، وقال له أحد الزملاء ساخراً: «ربما أن بعض العاملين في المطار، لا يريد إعادة أموال الضريبة للمسافرين عبر اللعب على أعصابهم».
ربما تكون الإجابة الجادة، هي أن العديد من المؤسسات الأوروبية تعاني كثيراً، بسبب الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، وقبلها أزمة فيروس «كورونا»، وأن معظم هذه المطارات، تعمل بأقل من نصف قوتها. بل إن مطار لندن، على سبيل المثال، ألغى أكثر من ثلث رحلاته بسبب قلة عدد الموظفين.
بمعجزة، وصل الزملاء إلى بوابة السفر المتجهة من برلين إلى فرانكفورت، قبل موعد إغلاقها بأقل من أربع دقائق، كما كان مكتوباً على اللوحة. وحين وصلوا، كان هناك تأخير في الإقلاع، استمر نحو 15 دقيقة، فصعدوا بأمان وسلام، ولكن بعد تلف أعصابهم بصورة كبيرة.
كنا في مصر، وغالبية دول العالم الثالث، نشكو من البطء والزحام والفوضى والتأخير في العديد من المعاملات، وكنا دائماً نحلم بأن نصبح مثل العالم المتقدم، خصوصاً دولة مثل ألمانيا، التي تعطي العالم أمثلة في النظام والالتزام والمواعيد المنضبطة، ثم جاءت الأزمة الأوكرانية، لتصيب الكثير من المرافق العالمية بالشلل، وتضرب الاقتصاد العالمي في مقتل، فيتأثر الجميع، ولكن بصور ودرجات مختلفة، كل حسب قوة اقتصاده وصادراته وتكنولوجياته.
الدرس المهم الذي تعلمه الزملاء مما حدث لهم في برلين، كما قالوا لي، هو أن تداعيات الأزمة الأوكرانية مستمرة معنا لفترة ليست قصيرة، للأسف الشديد.