السويد.. قانون لحرق القرآن وازدراء الأديان
محمد الحمادي – كاتب وصحفي إماراتي
لا تعيش السويد في كوكب آخر كي تتجاهل مشاعر الشعوب ومواقف الدول، وكي تكون لها قوانينها التي تحمي المتطرفين والمتعصبين وتشجع على الإساءة والاستفزاز وعلى نشر الكراهية بين البشر، فما يحدث من إساءة لأتباع الأديان الأخرى، وما حدث لأكثر من مرة من حرق لنسخة من القرآن الكريم لم ولن يكون مقبولاً لأي أحد من المسلمين أو غير المسلمين، وحجة أن ما يحدث هو من باب حرية التعبير أصبحت غير مقبولة، وشوّهت فكرة حرية التعبير التي نعرفها ونؤمن بها جميعاً، حيث تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود الجغرافية”.. هذا هو التعريف الذي نعرفه جميعاً والذي اتفق عليه البشر ووقعوا عليه في ميثاق الأمم المتحدة، فليس هناك في حرية التعبير ما يسمح بالإساءة إلى الأديان ونشر الكراهية بين البشر!
ومنذ أيام أكد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المبدأ نفسه، حيث تبنى بالأغلبية قراراً في جلسته في 12 يوليو الماضي، يدين أعمال الكراهية الدينية مثل حرق القرآن، وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، عن هذه الممارسات: “يبدو أن هدفها هو التعبير عن الازدراء وإثارة الغضب وإثارة الخلافات بين الناس والاستفزاز”.
ومن المعروف أنه كما تم إقرار حرية التعبير في مواثيق حقوق الإنسان، فإن تلك القوانين نفسها حرّمت وجرّمت ازدراء الأديان، فالقانون الجنائي الدولي يفرض حماية على الأماكن المقدسة، ويجرّم انتهاكها ويجعلها جريمة حرب، طبقاً لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكولين الملحقين لها لعام 1977، ويعتبر مخالفة الاتفاقيات سالفة الذكر جريمة حرب، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثامنة والفقرة التاسعة من المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقد اعتبرتها المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية، وذلك لأنها تعبر عن اضطهاد وتمييز بسبب الدين.
كما يعتبر ازدراء الأديان جريمة ضد الإنسانية، في جميع الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، المنصوص عليها في المادة 112 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لأنها تمثل اعتداء على البشرية جميعاً، كما تدخل ضمن الركن المادي لجريمة الاضطهاد الديني أو التمييز العنصري بسبب الدين أو المعتقد الديني.
الواقع اليوم أنه لم يعد أحد يصدق أن ما يحدث في السويد من تكرار لحرق المصحف هو مجرد التزام بقانون يسمح بحرية التعبير، فحرية التعبير لها أصولها التي نعرفها ولها أساليبها، ولم تكن في يوم من الأيام مقبولة عندما تستخدم في الإساءة لشخص، فما بالنا إذا كانت الإساءة لأتباع واحدة من أكبر الديانات على وجه الأرض، ولدين يدعو إلى السلام ويدعو إلى التعايش ويدعو إلى التسامح والخير لكل البشر، فإذا كان في السويد من لا يفهم الإسلام، وإذا كان هناك من يظن بأن الإسلام هو داعش أو القاعدة أو هو تلك الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تدّعي أنها تمثل الإسلام، فعلى الحكومة السويدية أن تقوم بدورها وتوضح لشعبها ولمن يعيش على أرضها حقيقة الإسلام وماهية هذا الدين.
جزء مهم من أدوار الحكومات أن تعمل جاهدة من أجل استتباب أمن المجتمع، وتجنب أي صدام ديني أو طائفي، ومنع المتطرفين من الإساءة للآخرين وازدراء أديانهم، لذا فقد تكون السويد بحاجة إلى أن تعيد النظر في مفهومها لاحترام أتباع الأديان واحترام العقائد واحترامها للإنسان في كل مكان، فحرية التعبير لم تعنِ ولن تعنيَ يوماً السماح بالإساءة لمعتقد مليار ونصف من البشر، وخصوصاً عندما يكون من الواضح أن الهدف مما حدث هو الاستفزاز المتعمد ومحاولة الإساءة المباشرة والعلنية، فعندما يتم حرق نسخة من المصحف أمام المسجد وفي يوم العيد الأكبر للمسلمين “عيد الأضحى” فهذا ليس حرية تعبير، وإنما هو تعمد للإساءة والاستفزاز، أما ما حدث منذ أيام كذلك من اعتداء وتمزيق للعلم العراقي أمام السفارة العراقية في السويد، فهذا أيضاً يتنافى مع احترام سيادة الدول والأعراف الدبلوماسية واحترام رموز الدول التي تدّعي السويد دائماً أنها تحترمها!
يبدو أن السويد في اختبار أمام العالم والجميع ينتظر منها أن تنجح وأن تستعيد صورتها الجميلة والمتحضرة، لذا قد يكون من المفيد أن تعيد النظر في تشريعاتها وقراراتها التي تتسبب في الإساءة للآخرين، والتي لا تحترم حقوق الإنسان وحرياته، والتي تحرض على الكراهية وتشجع المتعصبين على التمادي في ازدراء الأديان، ولا يبدو أن هذا المطلب صعب أو تعجيزي، وخصوصاً أن السويد كانت في مقدمة الدول التي تحترم حقوق الإنسان، ولطالما نظر إليها العرب والمسلمون وشعوب العالم على أنها بلد ديمقراطي ومتحضر يحترم الجميع بمختلف أديانهم وأعراقهم وثقافتهم وألوانهم، فكانت مقصداً لهجرة الكثيرين إليها هروباً من الظلم والديكتاتورية وبحثاً عن الحرية والعدالة والتعايش السلمي، لكن ما أصبح يحدث ويتكرر مؤخراً لم يعد يعكس هذه الصورة، ليس للمسلمين فقط، بل ولغير المسلمين من أتباع الديانات الأخرى، فهل اختارت السويد أن تصبح مكاناً لكل متعصب يرغب في حرق الكتب السماوية؟! فاليوم يتم حرق نسخ من القرآن وغداً قد يتم حرق كتب سماوية ورموز دينية أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في تصادم بين الأديان، الأمر الذي العالم في غنى عنه.
أخيرًا، من المهم أن تدرك سواء السويد أو الدنمارك أو النرويج أن حرق نسخة من القرآن لن يضر الإسلام، ولن يقلل من مكانة القرآن، وإنما يقلل من مكانة السويد، ويجعلها تخسر صورتها الجميلة أمام العالم، كما تخسر مكانتها الرائدة في مجال حقوق الإنسان والحريات، وخصوصا أننا ندرك موقف الحكومة السويدية الرافض لهذه التصرفات، وموقف أغلبية الشعب السويدي التي لا تعتبر هذه التصرفات “حرية تعبير”.