العيش مع الضباع !
عوض بن حاسوم الدرمكي – كاتب إماراتي
عندما يوشك قارب على الغرق فإن أول ما يحدث هو أن يتم التخلص من كل الأوزان، التي لا فائدة منها تلك اللحظة، وعندما يبدأ المحصول في الظهور فإن أول ما يفعله الفلاح هو إزالة النباتات الطفيلية، التي يسرّ العين خضارها.
لكن يؤذي المحصول وجودها، وعندما تواجه فريق مباراة حاسمة فإنّ المدرب لن يختار المصاب ولا المشجع الذي يحمل طبلاً، ولا أيّاً من محللي الاستوديوهات الرياضية، بل سيختار أفضل من لديه من اللاعبين، وأكثرهم جاهزية!
تمر منطقتنا الخليجية تحديداً بمنعطف خطير، وتتعرّض بلادنا وشقيقاتها إلى سلسلة اعتداءات إرهابية، من عدد من القوى «المارقة»، ومخطئ من يتجاهل تغيّر معطيات الواقع من حولنا.
ففي هذه الفترة الحرجة تحتاج كل أُمّة لكل أسلحتها وقواها وممكناتها ومُحدّدات بقائها، بعد الله سبحانه وتعالى، تحتاج إلى رجال على قدر التحديات، وعلى حجم الصعوبات القادمة لا محالة، وبالتأكيد لا تريد الأوضاع المربكة حالياً والمريبة مستقبلاً أشباه كائنات لا تعرف غيرة، ولا تحمل مروءة، ولا يحركها دين نقي، ولا توجّه مساراتها عقيدة صافية، ولا تقوّم انحرافاتها فطرة سليمة.
لا يخفى على أحد ولا أدّعي أبداً أنني وحدي من أرى ذلك، فالشقّ قد اتّسع على الراقع كما يُقال، فما يجري من حراك عالمي مريب من أجل تزييف المفاهيم والطعن في الثوابت.
ومن خلط للأوراق ومحاولة إظهار المستقيم أعوج والأعوج مستقيماً، وتصوير الأخلاق عبئاً «موروثاً»، والانحلال حريّة لا يصلح للعالم حالياً سواه، وتجييش المنصات الإعلامية مثل «نتفلكس» و«أمازون» وأمثالها لكي «تصدم» حتى الغربيين أنفسهم، وتكشف سوءتها دون حياء وهي تروّج لكل رذيلة ممكنة، فلا خطوط حمراء لديها ولا حُرمة ولا خُلُق، بل هي «رسالة» يستميتون عليها للعبث بكل مُقدَّس، والطعن بكل قيمة عليا، والترويج لكل نتانة فحش وبذاءة!
إنّ ما تزرعه هذه المنصات، وفق منهجية متّفق عليها لديهم، لن نرى نتائجها اليوم، ولكن سنراها في القريب من خلال جيل لا يحمل أي هدف سوى هدف إشباع رغباته بأي طريقة، ولا مُقدّس لديه من دين أو عقيدة، فقد علمته مسلسلات هذه المنصات أنّ الشيطان هو صديقهم، ومن يجب أن يتبعوه لأنّه تمرّد على الرب الظالم، كما يدّعون، «تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً».
ولا أخلاق ولا مُثُل عليا، فكل هذه الأمور تتغيّر بتغيّر الحياة، ويُعاد تشكيلها حسب قناعات الإنسان، القناعات التي أصبحت قناعات الرغبات والشهوات الفردية، أما صالح الجماعة والمنفعة العامة والخوف على النسيج المجتمعي والحرص على قدسية الأوطان فلا وجود له إطلاقاً في قاموس أبناء «نتفلكس» وأخواتها!
الضرورة تُحتِّم علينا أن نخرج بمشروع عاجل لتدارك ما يمكن تداركه، ففضلاً عن إفساد هذه المنصات لأفكار وأخلاق وسلوكيات الجيل الجديد، وهو الجيل الذي تراهن عليه الشعوب لمستقبلها، فإنّ الداهية الدهياء أن هذه المنصات خَلَقَت «ولاءات» عابرة للحدود الجغرافية للمشتركين بخدماتها إلا من رحم الله تعالى، وهي ولاءات ليست كقضية تشجيع ريال مدريد أو يوفنتوس، ولكنها ولاءات تتعلق بالفكر والتوجّه، وهم يعون ذلك جيداً، فهل نتحرّك أم سنبقى مردّدين أنّ «الأمور طيبة»، حتى نجد أنفسنا عندما تحين ساعة الشدة وقد أُتينا من حيث لا نحتسب!
لن يحمي الأوطان من يسخر من ربّه ودينه، ولن يحرسها من كل غازٍ من لا يملك ذرّة حياء، فضلاً عن أن يملك مروءة، ولن يكسر عين كل مُعاد لها من ما زال حتى الساعة محتاراً إلى أي جنس ينتسب، ولنسمع لما يقوله قائد الدولة العباسية الأكبر أبو مسلم الخراساني، وهو أدرى الناس بمقارعة الأزمات ولقاء الأعداء ومن يُفيدك عندما تحتدم الخطوب و«تصكّ الحلقة على البطان» عن صفات من يقف لتلك الشدائد وأشدّهم ردّاً لها ووقوفاً في وجهها: «أشد أهل القتال: مُتغضِّب من ذلة، ومحام على ديانة، أو غيور على حرمة»!