تخفيض الرواتب والامتيازات
د. محمد النغيمش – صحيفة البيان الاماراتية
تُحَرّم الكثير من القوانين تخفيض الرواتب، فيجد أرباب الأعمال والمؤسسات الكبرى، حيلة في اللجوء إلى خيار تقليص العلاوات allowance، أو المخصصات، أو الامتيازات المادية في مسعى لتقليص النفقات.
وقد لجأ ملاك شركة «أبل» العملاقة إلى تخفيض راتب الرئيس التنفيذي تيم كوك بنسبة 40 في المائة.
وذلك بتخفيضه من 84 مليون دولار في عام 2022 إلى أجر مستهدف يقدر بقيمة 49 مليون دولار في العام الجاري 2023، بحسب بيان للشركة، غير أنهم سيزيدون نسبة تملكه لوحدات أسهم ممنوحة له كرئيس تنفيذي إلى 75 في المائة في العام الجاري وما يليه.
حيث كانت 50 في المائة. وربما يستغرب البعض من هذا الراتب، لكنه يمنح لشخص يقود أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، حيث تقاضى في العام 2022 أجراً إجمالياً وقدره 99 مليون دولار، ويشمل ذلك راتبه الأساسي وحوافزه، ومبلغاً مشابهاً تقريباً للعام 2021، إلا أنه في عام جائحة كورونا تقاضى 14 مليون دولار كراتب وحوافز.
مشكلة تقليص الحوافز المادية، أن الكبار يمكنهم تحملها، لكن صغار الموظفين تسبب لهم إرباكاً شديداً، لاعتبارات مصاعب المعيشة المتصاعدة ومحدودية الدخل.
ولذلك تحاول الشركات أحياناً عدم معاملة الجميع بمسطرة واحدة حينما تجد نفسها مضطرة لخفض التكاليف المالية بنسبة أكبر لكبار الموظفين، وتقل النسبة تدريجياً نزولاً في السلم الإداري. وحدث ذلك في شركات عديدة إبان الأزمة المالية العالمية التي ضربت أمريكا عام 2008، لكن ارتداداتها بلغت منطقة الخليج وآسيا وأوروبا.
هناك توجهات مختلفة في سياسات الرواتب، منها وضع سلم «تنافسي» للرواتب، بحيث يمكن استقطاب الأفضل في السوق. وقد توجهت حكومات بعض دول الخليج إلى إعادة النظر في الحوافز المادية برفعها وتنويعها لتكون جاذبة للعقول النيرة المستهدفة من القطاع الخاص لتطوير القطاع الحكومي.
وهناك سياسة منح رواتب «مقاربة أو مساوية» للسوق، وهي أقل تنافسية، وعادة ما تكون الكفاءات عرضة لعروض المنافسين المغرية. ومن الغرائب أن تنافس قطاعات حكومية بعضها البعض بسبب تفاوت باقات الحوافز المادية والمعنوية (كالمكان والمبنى وغيرها من مغريات تحقق الرضا للبعض).
وهناك سياسة ثالثة للرواتب وهي أن تقرر الإدارة العليا أو الدولة منح رواتب أقل من نظرائها أو منافسيها. وهذه أكثر السياسات التي يشهد تطبيقها تسرباً وظيفياً كبيراً، لأن البيئة الجيدة لم تعد كافية في نظر البعض في ظل تدني الجوانب المادية أمام ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة.
ومع الأسف الشديد، فإن كثيراً من السياسات تكون سرية يعتمدها مثلاً مجلس الإدارة بعد أن عمل مسحاً سوقياً عبر مكاتب استشارية، ليقرر أن تكون رواتبه أقل من معدل السوق. وعادة ما يكون هذا الخيار في لحظات تراجع الأرباح أو سبب «شطارة» يظنها كبار الملاك، حتى تقع الفأس بالرأس عندما يذهلون من الهروب الجماعي أو التدريجي من المؤسسة إلى المنافسين.
ولذلك، فإن سياسة الحوافز أو التعويضات المادية compensation لا بد أن تكون واضحة وضوح الشمس، لأن على أساسها، تتحرك المؤسسة في استقطاب الكفاءات، أو ربما تجد نفسها مضطرة إلى أن تؤثر السلامة (بسياسة تقشفية) مؤقتاً حتى تنقشع الغمة أو الضائقة المادية.
لكن بعض الأزمات لا تتركنا ننعم بقراراتنا الجريئة، فقد تنتشر سمعة سيئة عن المؤسسة بأنها لا تقدر العاملين فيها، وأن بيئتها طاردة، وفي بعض الأحيان يستغرق إصلاح ذلك سنوات عديدة حتى تعود إلى دائرة التنافس.
وقد شهدنا كيف دفعت عدد من المؤسسات أضعاف مما وفرته، لكي تعاود استقطاب كفاءات يساوون أولئك الذين تركوها، بعد أن وصلت سكين التقشف العظم، كما يقال.
خلاصة الأمر أن لكل مؤسسة أو دولة حرية اختيار ما تشاء من سياسات، لكن المبالغة في السياسة التقشفية أو حتى السخية قد تأتي بعواقب وخيمة إذا لم نراع اعتبارات المشهد الذي نعيشه.