توازن الإنفاق والاستهلاك
د. إبراهيم عبداللطيف العبيدي – صحيفة البيان الإماراتية
يمثل الاستهلاك عملية إفناء فوري أو بالتجزئة للسلع المنتجة. وهو المرحلة الأخيرة من العملية الاقتصادية التي تسبقها مراحل الإنتاج والتبادل والتوزيع. ووضعت الشريعة الإسلامية ضوابط وتوجيهات تقوّم استهلاك السلع، من أجل تحقيق التوازن بين الإنفاق والاستهلاك، ومن هذه التوجيهات والضوابط نستعرض القضايا الآتية:
1 – بيان وظيفة طبيعة الاستهلاك: وتتلخص وظيفة الاستهلاك بالمحافظة على مهجة حياة كل الكائنات الحية بما فيها الإنسان، باعتباره الأساس المادي الذي يعتمد عليه وجوده، فلا حياة من دون غذاء، بمعنى أن مقصد حفظ النفس لا يتحقق من دون وجود وظيفة الاستهلاك.
2 – التقيّد بمحدودية الاستهلاك: فمع أهمية الاستهلاك، إلا أنها تبقى في حدود الوسيلة وليست الغاية، فالإنسان في المنظور الإسلامي، يستهلك ليعيش؛ لا يعيش ليستهلك. وعليه فلا يأكل ما حرمه الله، وهو كل ما استقذرته الشريعة ورفضته الطباع السليمة، من هنا جاءت الشريعة الإسلامية بـ(تحريم استهلاك السلع الضارة): وهي كل ما وردت النصوص الشرعية بتحريمها وما يقاس عليها وتشترك معها في العلة، إذ لا تخلو سلعة محرمة من مضرة ظاهرة بينة.
3- التأكيد على وسطية الشريعة الإسلامية في النشاط الاستهلاكي: فحينما أباحت الشريعة استهلاك الطيبات لم تجعل الأمر مطلقاً من دون تحديد، وإنما ضبطته بالقدر الذي يؤدي إلى القصد منه، من دون إسراف ولا تقتير، وهذا ما نجده بوضوح في وسطية الشريعة في تشريعاتها المختلفة، ومنها ما يتعلق بالاستهلاك، إذ يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) سورة الفرقان، الآية: 67.
4 – مراعاة ترتيب جانب الأولويات الشرعية في تحقيق مقاصد الشريعة: من خلال التأكيد على وحدة الإشباع الاستهلاكي للمجتمع، والتي تتحدد انطلاقاً من الإنفاق على ضروريات الحياة؛ وبالحد الذي لا تقوم بدونها. ثم الحاجيات؛ وهي ما تقوم به الحياة على وجه حسن. ثم التحسينيات التي تقوم معها الحياة على أفضل وجه من الرفاهية والعيش الرغيد.
5 – تحقيق التوازن في توزيع الإنفاق الاستهلاكي: بحيث لا ينفق المستهلك كل دخله، وإنما يقوم بتجزئته حسب مراحل احتياجاته ومتطلباته، فينفق جزءاً منه؛ ويدخر جزءاً آخر، والمتتبع لآيات الإنفاق في القرآن الكريم يجدها تنص على أن الإنفاق يكون من بعض الرزق وليس الرزق كله.
6 – تقييد تصرفات السفيه من خلال الحجر عليه: من الضوابط الشرعية في تقويم الاستهلاكية، تقييد تصرفات السفيه والحجر عليه بسبب سوء تصرفه بأمواله، وما يعود ذلك على غيره من أضرار. ويمكن توظيف ما تقدّم ذكره بما يتعلق بضوابط الاستهلاك من خلال تنزيله عملياً على واقع الشهر الفضيل. ويرى محللون اقتصاديون أنه لا ينبغي النظر بسلبية إلى مسألة إقبال الناس على الشراء والتبضع مع قرب بداية رمضان.