“داعش” ما بعد “القرشي”
الضربة الأمريكية التي أطاحت بزعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي تم تقديمه باسم أبو إبراهيم القرشي، رغم أنه يحمل أسماء متعددة، لم تقتصر على قطع رأس التنظيم، وإنما طالت تداعياتها «الجسد» شبه المنهار، والذي كان يترنح بعد هزيمة دولة خلافته المزعومة، ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي في نفس العام (2019)، بينما مثلت، بالمقابل، إنجازاً كبيراً لبايدن وإدارته، جاء في وقت كان بأمسّ الحاجة إليه.
وبينما كان «داعش» يدخل في غيبوبة الصدمة، دون أن يعرف مصير جثة زعيمه، وما إذا كان سيتم دفنها أو ستلقى في البحر على غرار من سبقه، كان بايدن وإدارته منتشيَين بهذا الانتصار الكبير، في خضم انتقادات داخلية متزايدة، وتحديات خارجية هائلة، ناجمة عن الظهور الضعيف للإدارة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فضلاً عن الخلافات الداخلية حول خطط بايدن التنموية والاقتصادية، وتحقيقات الكونجرس في أحداث 6 يناير/ كانون الثاني 2021 وغيرها. وكذلك بسبب التحديات الكبرى التي تواجهها الإدارة بسبب الأزمة الأوكرانية مع روسيا والحرب التجارية والاقتصادية مع الصين، وفي كلتا الحالتين لم يجدْ بايدن من خصومه الداخليين والخارجيين سوى الإشادة بجهود إدارته في محاربة الإرهاب.
لكن بايدن يدرك أن المعركة لم تنتهِ بعد، وأنها لا تزال مفتوحة على كل الجبهات؛ إذ إن «داعش» الذي اعتاد على صدمات من هذا النوع، خصوصاً بعدما فقد زعيمين في نحو عامين، قد يستفيق من هول الصدمة، ويبحث عن زعيم جديد، إن لم يكن قد حدّد مسبقاً زعيمه المقبل. وبالرغم من أن هناك أسئلة تطرح حول علاقة تصفية «القرشي» بالهجوم «الداعشي» الأخير على سجن الصناعة في حي غويران بمدينة الحسكة السورية، باعتباره شكل جرس إنذار لإمكانية عودة قوية ل«داعش» في إثبات حضوره على الساحة السورية، كما في الساحة العراقية عبر سلسلة هجمات خطِرة ضد الجيش والقوات الأمنية، إلا أن القيادات العسكرية الأمريكية لا تتوقع أي رد فعل لافت من التنظيم الإرهابي على مقتل زعيمه.
السؤال المطروح الآن، أين يتجه «داعش» بعد مقتل زعيمه؟ قد يكون من المبكر الحديث عن مقاربات في هذا الإطار قبل الإعلان عن هوية الزعيم الجديد، وإن كانت الترجيحات تشير إلى أنها لن تخرج عن الهوية العراقية؛ لأسباب تتعلق بهوية التنظيم الأيديولوجية والثقافية، لكن المشكلة تكمن في انتهاء ما يوصف بالرعيل الأول من مؤسسي التنظيم، وبالتالي فإن مشكلة جديدة ستنشأ عن اختيار زعيم من قيادات الجيل الثاني أو الثالث، لعدم تمتع أي منها ب «الكاريزما» القيادية، وهي في الحقيقة لم يعد لها وجود بعد مقتل أبو بكر البغدادي؛ إذ إن «القرشي» نفسه لم يكن يتمتع بأي مواصفات قيادية باستثناء الجانب الأمني، كما أنه لم يكن معروفاً من قواعد التنظيم، وبالتالي، فإن الانشقاقات واردة، خصوصاً بالنسبة للأذرع الخارجية في الساحل الإفريقي وأفغانستان التي ترى أحقية لها في قيادة التنظيم، بعدما لم تعد الأماكن التقليدية في سوريا والعراق مكاناً آمناً لها.