دروس من حادث الطفل ريان
د. إدريس لكريني
عندما سقط الطفل المغربي ريان ذو الخمس سنوات في بئر مهجورة، وظل حبيساً على عمق نحو 32 متراً تحت الأرض، في إحدى القرى التابعة لإقليم شفشاون شمالي المغرب، لا أحد كان يتوقع أن الأمر سيحظى باهتمام وطني ودولي كبير، وأن الضحية سيلقى تعاطفاً وتضامناً منقطعي النظير، بعدما حجت مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية إلى عين المكان، لمتابعة تطور عملية الإنقاذ التي تجندت لها مختلف السلطات والقوات العمومية المغربية، والفعاليات المدنية بكل تفانٍ ومسؤولية على امتداد خمسة أيام.
بذلت جهود مضنية وصعبة للإنقاذ، وتم اعتماد عدد من الخيارات، لكنه بالنظر لعمق البئر، حيث تم الحفر بشكل مواز لها، ضمن عملية دقيقة استغرقت وقتاً، تأرجح معها شعور الرأي العام بين الألم والأمل. غير أن ضغط الوقت وتسارع تطور الحالة الصحية للطفل، وطبيعة التربة في المنطقة، كلها عوامل أثرت بشكل ملحوظ في سير عملية الإغاثة، وحالت دون الوصول إلى الطفل في الوقت المناسب.
وكما هو الحال عند حدوث الأزمات والكوارث، مثّل الحادث على قساوته، لحظة إنسانية، ومحكاً حقيقياً، أظهر الشعور بالمواطنة والمشترك الإنساني، وحفز على التضامن داخل المجتمع المغربي وعبر الحدود، حيث لقي الموضوع اهتماماً كبيراً وواسعاً، متجاوزاً بذلك كل الخلافات السياسية. ففي الجزائر، كما في عدد من الدول العربية والإسلامية، برزت مشاعر التضامن الشعبي، وبدا التأثر واضحاً برحيل الطفل، ما أسهم في إعادة فتح نقاشات حول المشترك الإنساني، وما يقتضيه الأمر من نبذ للخلافات والأحقاد، وإرساء السلام قبل فوات الأوان.
وعلاوة على ذلك، أتاح الحادث طرح نقاشات أخرى بصدد أهمية تطوير منظومة تدبير الكوارث والأزمات، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، والذكاء الاصطناعي في هذا الشأن.
يطرح الحادث أهمية توفير بيئة آمنة وسليمة للأطفال، تتيح لهم النمو والتطور بشكل صحي. ويؤكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة في هذا الخصوص، أنه «ينبغي أن يكون كل فرد قادراً على العيش في بيئة تفي بمتطلبات صحته ورفاهه»، كما يؤكد الحادث أيضاً، أهمية تعزيز التنمية في المناطق القروية والنائية بصورة تضمن كرامة الإنسان.
لقد أبرزت هذه المحطة بشكل واضح أهمية اعتماد المقاربة التشاركية في التعاطي مع الأزمات والكوارث، وذلك في إطار من التخصص والتكامل والحدود المرسومة. وتبدأ المساهمة في هذا الشأن من المواطن نفسه، إلى جانب عدد من الفاعلين كالإعلام والجماعات الترابية الحضرية، والمؤسسات التعليمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني. فالمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص تنطوي على أهمية كبيرة خلال هذه الفترات الضاغطة، التي ينتشر معها الذّعر والخوف من المستقبل داخل المجتمع، فيما تجد الدولة نفسها أمام ضغط كبير ومسؤوليات كبرى، تفرض عليها البحث عن حلول آنية واتخاذ قرارات صعبة.
فالقطاع الخاص بما يمتلكه من خبرة وإمكانيات، وسبل تنظيمية وتدبيرية متطوّرة، بإمكانه أن يسهم بشكل فاعل في تخفيف الأعباء الملقاة على عاتق الدولة من خلال الانخراط الفعلي في ترسيخ قيم التضامن، ووضع عدد من الإمكانيات التقنية والمادية والبشرية والبرامج، رهن إشارة السلطات المختصة للدولة لتجاوز آثار الأزمة أو الكارثة.
وبالنظر لما يرافق اندلاع الأزمات من انتشار للخوف والهلع والترقب في أوساط المجتمع، وما يفرضه ذلك من عقلنة ودقة في نقل المعلومات والأخبار، يتحمّل الإعلام جزءاً كبيراً من المسؤولية في مثل هذه المحطات القاسية والعصيبة، على مستوى ترسيخ ثقافة مواجهة الأزمات، وبلورة تواصل إيجابي مع الرأي العام الذي يتابع تطور الأزمة باهتمام بالغ، ومدّه بالمعلومات الكافية والدقيقة، درءاً لكل شائعة أو انتشار لأخبار زائفة من شأنها إرباك الأوضاع، والمساهمة في إفشال الجهود الرامية إلى تطويق الأزمة أو الكارثة.
إن ما يضاعف مسؤولية الإعلام في هذا الصدد، هو الطفرة النوعية والكمية التي لحقت حقل المعلومات، مع ثورة الإنترنت التي فتحت إمكانات هائلة، ومخاطر مختلفة في هذا الصدد، وخاصة مع التطور والتمدد اللذين لحقا بشبكات التواصل الاجتماعي التي انتقلت من فضاءات للتواصل، إلى تقنيات للضغط والتأثير في الرأي العام.
كما لا تخفى أهمية إرساء ثقافة التعاطي مع الأزمات والكوارث في أوساط صانعي القرار، وداخل المجتمع، وبين المؤسسات العمومية والشركات، على مستوى توفير الشروط النفسية والمناخ المناسب للتعامل مع هذه اللحظات الصعبة بقدر كبير من الجاهزية والاتزان، وتوفير الأجواء الكفيلة بالتقليل من الأخطار ومنع الأمور من الانفلات والخروج عن السيطرة.