زلزال معيشي و تخوف من حدوث تسونامي

عاشت العديد من مدن ومناطق سوريا و تركيا خوفاً كبيراً و ذعراً تسبب به زلزال مدمر بلغت شدته 7,8 درجات على مقياس ريختر، ضرب الجارتين في السادس من شهر شباط الماضي.

لم تقتصر تبعات الزلزال المذكور على الخسائر البشرية و المادية، و الدمار الكبير الذي تسبب به في معظم المناطق التي وصلتها هزاته القوية، بل امتدت تأثيراته بحسب باحثين و متابعين متخصصين إلى الحياة البيئية و المناخية في تلك البقعة من العالم، و لعل أبرز تلك التأثيرات التي اختلف حولها علماء البيئة هو انحسار مياه البحر المتوسط على كل شواطئه بشكل غير مسبوق لمدة تجاوزت الأسبوعين، فعل حصل هذا الانحسار و التراجع المائي الغريب بفعل الزلزال ؟!

“عندما حصل الزلزال، انخفضت المياه أكثر من حدّها الطبيعي، وقلّ أكل السمك، و تراجعت مياه البحر عن الشاطئ بشكل ملحوظ” !!
بهذه الكلمات يتحدث أبو صطيف وهو صياد يمارس مهنته منذ سنوات عن تبعات الزلزال المدمر الذي ضرب شباط/فبراير الماضي، مدينة اللاذقية السورية الواقعة على شاطئ المتوسط.

تراجع وانحسار في مياه البحر دام قرابة أسبوعين بعد الزلزال، في ظاهرة غير معهودة كما يؤكد الصياد أبو أحمد قائلاً ” نزول البحر كان غير طبيعياً، فانخفاض المياه على الشاطئ كان لأكثر من متر و نصف عن الحد الطبيعي الذي عهدناه، لأول مرة في حياتي أرى الجذر بهذا الشكل” !

في الإمارات بلس بحثنا في هذا التحقيق عن إجابات تساؤلات باتت مؤخراً تطرح بكثرة،
ما هي حقيقة انخفاض مياه البحر المتوسط ؟!
و لماذا انحسرت مياهه على كل شواطئه دفعة واحدة ؟!
و هل يرتبط الأمر علمياً وجيولوجياً بالزلزال الأخير ؟!

في العشرين من شهر آذار /مارس الجاري سينعقد مؤتمر خبراء البحار و المحيطات في منظمة اليونيسكو في باريس، لطرح هذا الموضوع تحديداً، و بحث فرضياته من قبل البروفيسور أديب سعد المقيم في فرنسا وهو خبير في علم المحيطات و التنوع الحيوي، و الذي تحدث للإمارات بلس عن هذه الظاهرة :
” بعدما حصل الزلزال في السادس من شباط الماضي ركز الباحثون والمحللون على الناحية الجيولوجية، و لم يركزوا على انحسار مياه البحر المتوسط لأن هذا الانحسار لم يكن قد حصل بعد، و الذي تمّ بعد ثلاثة أيام من الزلزال ودام لاحقاً لمدة قاربت الأسبوعين، حيث أن معظم المحللين اعتبروا أن هذا الانحسار ناتج حصراً عن المد والجذر ولا علاقة للزلزال بهذه الظاهرة, لكنني لا أستطيع أن أنفي علاقة الأمر بالزلزال لأن المد و الجذر الطبيعي يستمر عادة ساعات من ٦ إلى ١٢ ساعة، لكن استمراره لقرابة أسبوعين فهذا الأمر غريب جداً، و التساؤل هنا لماذا حصل هذا الأمر بعد ثلاثة أيام من حدوث الزلزال ” ؟

هنا يطرح السؤال، كيف يمكن أن يكون الزلزال الأخير قد تسبب بالانحسار الكبير والغير مسبوق بمياه البحر المتوسط ؟

الدكتور سعد يجيب : ” أولى فرضياتنا تقول بأنه و نتيجة تزحزح صفيحة الأناضول لعدة أمتار و لمسافة طويلة قد تكون تسببت بتخلخل بعد اصطدام الصفائح الأناضول و الأوروبية و العربية، و بالتالي حصلت جيوب تستوعب مياه كبيرة ما أدى لنقصان مياه البحر لتعبئة هذه الجيوب”.

و أضاف : ” البحر المتوسط هو بحر شبع مغلق و يأخذ ٧٥% من مياهه من المحيط الأطلسي، و بالتالي حسب رأينا حصل مباشرة زيادة في تيار المحيط الأطلسي القادم عبر مضيق جبل طارق ليعوض هذا النقص و استغرق ذلك قرابة أسبوعين لعودة منسوب المياه إلى ما كان عليه “.

و هل من فرضية أخرى يمكن البحث بها أو تأكيد تساؤلاتها ؟!
يجيب د. أديب سعد : ” من الممكن أن يكون قسم من مياه البحر المتوسط ذهبت إلى المحيط الأطلسي نتيجة الزلزال، خاصة إذا علمنا أن ٨٥% من شدة الهزة الكبيرة كانت أفقية و ليست عمودية، وهذا عكس ما صرحت به تركيا عن إمكانية حدوث تسونامي في المتوسط، و هذا أمر أستبعده نهائياً، ولا يمكن حدوثه هنا إطلاقاً لأن البحر المتوسط صغير و هناك جُزر عديدة، تمنع حدوث أي ظاهرة من هذا الشكل”.

الصيادون أكدوا أن انحسار مياه البحر مؤخراً تسبب إلى حد ما بانخفاض مردود صيدهم،إذاً لأي درجة من الممكن اعتبار ظاهرة انحسار مياه البحر المتوسط على كل شواطئه مؤخراً بعد الزلزال خطيرة بيئياً ؟!

البروفيسور أديب سعد يؤكد بأن : ” أؤكد بأن الموضوع ليس خطيراً، ومن الناحية العلمية هي عبارة عن ظاهرة جانبية سواء للزلزال أو للظواهر البيئية والمناخية المحيطة به، و عادت إلى طبيعتها، و بما يتعلق بتأثير هذه الظاهرة على المدى الطويل، سيرتبط الأمر بنوع من التنافس بين الأنواع الأنواع السمكية الأصلية و الأنواع الجديدة القادمة بسبب غزارة التيار المتوسطي و الذي سيكون قد حمل معه المزيد من يرقات الأسماك التي لم تكون موجودة في القسم الشرقي من البحر المتوسط، وهذا ما سنسعى لإثباته مع زملائنا الباحثين و المتخصصين بهذا المجال”.

أيام قليلة تفصلنا عن المؤتمر المزمع عقده في مقر اليونيسكو في باريس، ليتباحث خبراء البحار و المحيطات في الأمر الأكثر جدلية حالياً من الناحية البيئية، و لعل الإجابات الوافية تصل إلينا من ذلك المؤتمر على معظم التساؤلات التي طرحناها في السطور السابقة.

أخبار ذات صلة

"https://uaeplus.ae/