كأس الخليج.. وأشياء أخرى في العراق
محمد خلفان الصوافي – صحيفة البيان الاماراتية
بطولة كأس الخليج العربي الـ25 التي تستضيفها العراق حالياً هي أحد التحركات الخليجية والعربية العديدة لإعادة تشبيك روابط العراق أحد ركائز الأمن القومي العربي بمحيطه الطبيعي، وإحياء دوره الحضاري والتاريخي لخدمة الإنسانية بعودته إلى الساحة الدولية. وغني عن القول إنه من دون استقرار العراق سيظل الأمن الإقليمي والدولي مهدداً، ويبقى الجميع في قلق، لأن تنظيم «داعش» الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية لا تزال تعيد إنتاج نفسها.
بلا شك البطولة فيها جانب رياضي مستحق للعراق، وهو حقه في تنظيم كأس الخليج العربي تمهيداً لرفع الحظر الدولي لإقامة المباريات على أرضه، ولكن علينا ألا نغفل أيضاً المحاولات العربية، وكذلك الدولية، لمساعدة العراق في استعادته سيادته ودوره في المنطقة والعالم، فهو هدف موجود وقائم منذ فترة.
الملاحظة الجديرة بالمتابعة أن هناك حالة من الفرح والتفاؤل تسيطر على الجميع بمجرد أن البطولة مقامة في العراق أكثر من التفكير فيمن سيفوز بالبطولة نفسها، فالجميع يأمل أن تشهد مرحلة ما بعد البطولة تحولاً في مكانة العراق الدولية، وفي السيطرة النسبية على المنافذ الحدودية، وفي الحد من النفوذ الخارجي الذي يستخدم الميليشيات المسلحة، خاصة وأن المساعي العربية المبذولة لاستكمال عودة الدولة العراقية إلى محيطها العربي حقيقية، وتحديداً منذ الفشل السياسي لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وسيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على مساحات واسعة من العراق، والتسبب بحالة الانشقاق الطائفي الداخلي.
هذه البطولة هي مناسبة أكبر من كونها مباريات كرة قدم، ليس فقط لأنها الاستضافة الثانية للعراق بعد أكثر من أربعة عقود، أو لأنها تمهّد لعودة الملاعب العراقية لاستضافة البطولات الدولية، وإنما مناسبة للحديث عن استعادة العراق موقعه الاستراتيجي وعمقه العربي، لذلك فإن الحديث عن قصور في تفاصيل التنظيم أو عدم استعداد العراق للحدث الرياضي ينبغي عدم الالتفات إليه، لأن الهدف أبعد من تنظيم البطولة، كما أن العراق الذي استطاع أن ينظم فعاليات سياسية مثل: استضافة بابا الفاتيكان ومؤتمر «بغداد1» لن يعجز عن تنظيم بطولة كروية.
يمكن اعتبار هذه البطولة الكروية بهذا الزخم الإعلامي وما رافقه من الزخم «العاطفي» سواءً من شعب العراق أو من أشقائه الخليجيين بمثابة أكبر حالة اختراق نفسي وسياسي بين الطرفين العراقي والخليجي، وبالتالي فهي مؤشر يعطي أفقاً جديداً للعلاقات، لذا من المناسب البناء عليهما لتعزيز العلاقات الخليجية-العراقية.
الرياضة بوصفها مدخلاً لإحداث انفراجة سياسية استخدمت أكثر من مرة في العلاقات الدولية، ولعل أشهر تلك القصص ما يعرف بدبلوماسية «البينغ بونغ» بين الولايات المتحدة والصين عندما أشار هنري كيسنجر، أشهر وزير خارجية في العالم، على الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بإقامة مباراة كرة الطاولة بين لاعب صيني ولاعب أمريكي من أجل إذابة «الجليد السياسي» بين البلدين، لإعادة العلاقات بينهما، أما بالنسبة لنا في دول الخليج العربي فهذه البطولة هي رابط شعبي بين أبناء المنطقة لتعزيز الصلة السياسية والثقافية التي تقوي التواصل بين أبنائها.
الدبلوماسية الناعمة للكرة تخفف من الجمود السياسي، خاصة إذا كانت هناك توجهات رسمية إيجابية، فهذا من شأنه إحياء الاهتمام الشعبي بالملفات المشتركة، مثل الثقافة والعلاقات الاجتماعية والزيارات السياحية، وعليه فإن التحركات الخليجية والعربية المعلنة حالياً تصب نحو إيجاد بيئة لاستعادة العراق، بكامل قواه الناعمة والصلبة، مكانته الإقليمية والدولية من خلال العديد من الأنشطة السياسية والاقتصادية، وكأس الخليج العربي مؤشر يمكن البناء عليه لهذه العودة المنتظرة.
تعبّر استضافة العراق بطولة الخليج العربي وما صاحبها من تغطية إعلامية خليجية عن رغبة عربية شاملة في استعادة العراق شخصيته السياسية وريادته على الصعيد الدولي. وما نقلته تلك الوسائل الإعلامية للصورة الحقيقية من الداخل العراقي يقول إن العراق بخير وعائد، فهو صاحب حضارة وتاريخ إنساني.