لِمَ لا ؟
د. راكان عبدالعزيز الراوي – صحيفة البيان الإماراتية
مقال اليوم «لِمَ لا ؟» ينطلق من مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب «ومضات من حكمة: أقوال وحكم مختارة لمحمد بن راشد آل مكتوم»: «تكلفة الخوف أكبر من تكلفة بعض الأخطاء، وتكلفة الخمول والكسل أكبر من تكلفة الخطأ وأنت تعمل».
تجارب
«لِمَ لا» «Why not» ؟ سؤال تحفيزي، يستهدف تنشيط العقل؛ بغية دفع الإنسان للسير في طرق جديدة، وتجربة أساليب عمل مختلفة، بشرط أن تكون تلك الطرق والأساليب متوافقة مع القوانين والنظم والتعليمات السارية، وفي الوقت ذاته لا تتعارض مع منظومة العادات والتقاليد المجتمعية السائدة.
سؤال «لِمَ لا؟» يمثل دعوة صريحة للتجريب، بما يمكن أن يتضمنه هذا التجريب من محاولات تقود إلى الصواب أو الخطأ، مع إمكانية تكرار تلك المحاولات، والعمل على اكتشاف أسباب الفشل؛ من أجل تحديد نقاط الضعف، والتعامل معها بوصفها فرصة لتحسين السلبيات ومعالجتها، إلى جانب تحديد نقاط القوة، والتعامل معها بوصفها فرصة لتعزيز الإيجابيات وتأصيلها. هذا يعني أنه ينبغي على الفرد تجنب الحكم على الأمور قبل الخوض في تفصيلاتها؛ لأن ظاهر الشيء قد لا يفصح بشكل دقيق عن باطنه.
تحديث
من المهم أن نعرف بأن التساؤلات التحفيزية تعمل على فتح الأبواب الموصدة، وتعين على التحديث، الذي لا يعترف عادة بما تم الاعتياد عليه من طرق وإجراءات. سؤال «لِمَ لا ؟» يمكن توظيفه في المجالات الحياتية المختلفة، وكذلك في تطوير إجراءات العمل المؤسسي، وبهذا الشأن يمكننا إيراد مجموعة من الأمثلة التوضيحية.
– «لِمَ لا» يفتش المدير عن أساليب إبداعية في تعامله مع الموظفين؛ لرفع مستوى رضاهم عن العمل، أو لكسب تأييدهم للتغييرات التنظيمية، التي يود إجراءها، أو لتقليل الصراعات والنزاعات؟
– «لِمَ لا» يجتهد الموظف في إعادة تقييم أساليب أدائه النمطية؛ لرفع مستوى الدقة والإتقان في العمل، أو لدعم روح الفريق بين الزملاء، أو لتحسين مستوى رضا المتعاملين؟
– «لِمَ لا» يراجع المعلم أساليب التدريس التقليدية، التي يطبقها في قاعة الدرس؛ وصولاً إلى رفع مستوى فهم الطالب للمواد العلمية، أو لزيادة تفاعل الطلبة مع المعلم، أو لجعل المادة مُحبَبة إلى قلب الطالب، وليست عبئاً نفسياً عليه؟
– «لِمَ لا» يعمل الطالب على تجريب طرق مذاكرة جديدة للمواد الدراسية في البيت؛ من أجل تقليل الوقت اللازم للدراسة، أو لزيادة مستوى التركيز، أو للحد من مستوى الضغط النفسي الناتج عن الدراسة؟
– «لِمَ لا» يقوم أولياء الأمور بمراجعة طرق التواصل الرتيبة، التي يعتمدونها في تربية أبنائهم؛ لتوجيههم نحو السلوكيات السوية، أو لجعلهم مُنتجين في المجتمع، أو لتحسين المناخ السائد في البيت؟
– «لِمَ لا» يعمل الكاتب على تحسين طريقة كتابته المعتادة؛ لجعلها أكثر فهماً من قبل المتلقي، أو لزيادة مستوى جاذبيتها، أو للتفاعل بشكل أكبر مع المتغيرات المحيطة؟
– «لِمَ لا» يطور الإنسان نظرته للحياة؛ بحيث يتعامل معها باعتبارها فرصة للتعلم من الأخطاء، أو بكونها ميداناً لتكوين صداقات مميزة مع الآخرين، أو بوصفها مسرحاً للقيام بأدوار نافعة للبشرية؟
تأسيساً على الأمثلة السابقة يمكننا تثبيت مجموعة من المنافع والإيجابيات الناتجة عن توظيف سؤال «لِمَ لا» في مفاصل الحياة المختلفة، وذلك من خلال النقاط الآتية:
– تجاوز حدود التفكير التقليدية، مع تفعيل مفهوم التفكير خارج الصندوق.
– التعلم من التحديات، بهدف التغلب عليها؛ وصولاً إلى اكتساب دروس جديدة.
– اكتشاف الفرد لقدراته الكامنة، والعمل على صقلها، من خلال الممارسة الميدانية.
– تفعيل النقد البناء للذات، إلى جانب ترسيخ منظومة الذكاء العاطفي في التعامل مع الآخرين.
– تطوير الفرد لقدرته على التكيف، بحيث يصبح أكثر مرونة في التعامل مع المستجدات البيئية المختلفة.
– إعادة اكتشاف الإنسان لشغفه، وميوله، واتجاهاته.
– مغادرة منطقة الراحة، ومواجهة الإنسان لمخاوفه.
ختاماً، وبما يتوافق مع التفعيل الإيجابي لمنهجية «لِمَ لا»، نود القول: إن الحياة يمكن أن تصبح أجمل بالتجريب، والتحديث، والتجديد؛ لأن الرتابة تقود إلى الملل، والملل بدوره يؤدي إلى فقدان الإنسان للشغف في حياته، وإذا فقد الشغف فلن تكون هناك فرصة للشعور بالسعادة.