مبادئ فكرية لمستقبل عربي أفضل
عبد الله المدني – صحيفة البيان الاماراتية
مما لا شك فيه، أن سنغافورة، التي عُرفت على الدوام بدولة المدينة الواحدة الزاهية والمتطورة، وأحد نماذج التقدم الاقتصادي في جنوب شرق آسيا والعالم، عانت كغيرها في الأعوام الثلاثة الماضية، من تداعيات جائحة «كورونا»، ثم من آثار الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي، خصوصاً أنها بلاد دون موارد طبيعية ذاتية، وتعتمد في مداخيلها واقتصادها القومي على السياحة والأعمال والتصنيع لأغراض التصدير.
وبعبارة أخرى، لم تكن أحوالها في أعوام 2020 و2021 و2022 على ما يرام، وإن بدت أفضل من غيرها، بسبب حنكة قيادتها السياسية، وما استثمرته سابقاً في خطط التنمية البشرية، وتأسيس بنى تحتية، يضرب بها المثل، وتدر دخولاً معتبرة، مثل مطارها ومينائها وناقلتها الجوية ومنشآتها السياحية.
وهكذا تحل عليها السنة الجديدة، وهي تتطلع للعودة إلى مسارها الطبيعي سريعاً، وإسدال الستار على عثراتها المؤقتة خلال الفترة الماضية. وسنحاول هنا تسليط الأضواء على استعداداتها للعام الجديد، وكيفية تجاوز مشاكلها الآنية.
فالمتوقع، طبقاً لمراقبي الشأن السنغافوري، أن تتقلص تجارتها المعتمدة على تصدير البتروكيماويات والأدوية والإلكترونيات وأشباه الموصلات، أو ألا تسجل هذه الصادرات نمواً يعتد به، بسبب ضعف الطلب العالمي، وقلة السيولة، واستمرار التضخم.
إذ سجلت صادراتها المحلية الرئيسة تراجعاً بـ 14.6 في المئة، على أساس سنوي، في شهر نوفمبر الماضي، جراء انخفاض الطلب عليها من الصين، التي تعتبر الشريك التجاري الأهم للجزيرة. وهذا يجعلنا نربط تحسن أحوال الصادرات السنغافورية، بانتعاش الأحوال في الصين، التي على الرغم من تخفيفها الكثير من قواعدها الصارمة ضد الجائحة، إلا أن عودتها إلى الظروف الطبيعية لا تزال بحاجة إلى وقت.
وبعبارة أخرى، فإن حدوث انتعاش اقتصادي صيني، يمكن أن يساعد سنغافورة على تجاوز توقعات النمو الرسمية المتشائمة في العام الجاري، والذي يعتمد كثيراً على مدى سرعة أو بطء عودة الصين إلى ما كانت عليه قبل عام 2020.
في المقابل، نجد أن الدوائر الرسمية السنغافورية، متفائلة بشأن قطاعي السياحة والخدمات، اللذين يعتبران من محركات النمو والنشاط الاقتصادي الرئيسة في البلاد، حيث يراهما صناع القرار أكثر إشراقاً من ذي قبل. غير أن هذا، من وجهة نظرنا ونظر بعض المراقبين، قد لا يكون تعويضاً كافياً لانخفاض الطلب على الصادرات.
والجدير بالذكر، أن إحدى الوكالات السنغافورية المتخصصة في مراقبة الحركة التجارية، نشرت توقعات متفائلة حذرة، حول نمو التجارة السنغافورية، فقالت إنها ستتجه إلى النمو في عام 2023، من ناقص 2 في المئة إلى صفر في المئة، لكنها ستشهد صعوداً سريعاً، في حال أن قام الشريك التجاري الأهم (الصين)، بفتح أبوابه بشكل أسرع من المتوقع، حيث سيشكل ذلك دفعة قوية للسياحة والصادرات وتدفقات رأس المال.
وفي رأينا أن هذا الأمر لن يحدث قبل انتصاف العام الجاري، وإنْ حدث، فإنه سلاح ذو حدين. إذ يشعر الكثيرون بالقلق من أن انتعاش الاقتصاد الصيني، سوف يؤدي في نهاية المطاف، إلى اندفاع السنغافوريين إلى الاستهلاك والسفر، مع احتمالات رفع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي، استمرار التضخم في 2023.
تحدثنا عن أوضاع صادرات سنغافورة، لكن لم نتحدث عن الضلع الآخر لتجارتها، وهي الواردات. والحقيقة أن كون سنغافورة دولة مستوردة لكل ما تستهلكه تقريباً، جعل سكانها متضررين من التضخم في أسعار الغذاء والوقود، وسلع التجزئة والخدمات، بدليل أن البنك المركزي السنغافوري (MAS)، أقدم خمس مرات منذ أكتوبر الماضي، على إجراءات التشديد النقدي، ما سمح للعملة المحلية (الدولار السنغافوري)، بالارتفاع مقابل سلة من العملات، وبالتالي، الحد من ضغوطات تكلفة الاستيراد.
والمعروف لدى متابعي الشأن السنغافوري، أن MAS توقع أن يظل التضخم مرتفعاً في البلاد، بنسبة تتراوح ما بين 5.5 – 6.5 في المئة، بدلاً من المعدل العاكس للاستقرار العام للأسعار، وهو 2 في المئة، وأن نسبة التضخم الحالية ستشهد انخفاضاً واضحاً في النصف الثاني من العام الجديد.
وكان MAS توقع أن يصل إجمالي الناتج المحلي لعام 2022، إلى 3.5 في المئة، نزولاً من الرقم الذي سجله في عام 2021، وهو 7.6 في المئة. ومن ناحية أخرى، هناك تفاؤل سائد في البلاد حول حدوث تحسن كبير في قطاع الضيافة والنقل الجوي والخدمات المرتبطة بهما خلال عام 2023، لكن هذا التفاؤل يقابله تشاؤم من قبل شريحة كبيرة من السنغافوريين حول التضخم.
ففي استطلاع حديث عبر الإنترنت، أجرته شركة متخصصة في أبحاث المستهلكين، تبين أن نحو 95 في المئة من المشاركين قلقون بشأن التضخم، وقال ثمانية من كل عشرة أشخاص، استطلعت آراؤهم، أن أوضاعهم المالية الشخصية قد تأثرت سلباً، في حين قال نحو 71 في المئة من المشاركين، إن ارتفاع تكلفة المعيشة حدّ من قدراتهم في الإنفاق على السلع الضرورية.