محمد بن زايد رئيسا للدولة.. ترتيب بيت الحكم في الإمارات
محمد الحمادي – كاتب وصحافي إماراتي
يمر اليوم الرابع عشر من مايو عام على تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي ورئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة، ليكون الرئيس الثالث لدولة الإمارات بعد وفاة أخيه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان قبل عام من اليوم في الثالث عشر من شهر مايو2022 بعد عقود من العمل والإنجاز على صعيد إمارة أبوظبي وعلى الصعيد الاتحادي لدولة الإمارات وبعد سنوات قليلة من المرض أبعدته عن مهام الحكم وإدارة شؤون البلاد، والتي قام بها بكل أمانة وثقة واقتدار كل من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بصفته نائبا لرئيس الدولة ورئيسا لمجلس الوزراء والشيخ محمد بن زايد آل نهيان بصفته وليا للعهد في إمارة أبوظبي.
وخلال عام كامل استمر عمل الشيخ محمد بن زايد على الصعيدين الداخلي والخارجي كما كان بكل جد وحماس من استقرار المنطقة ومتابعة الملفات الساخنة في الدول العربية كما استمر في ترسيخ العلاقات مع دول العالم من خلال استقبال العديد من زعماء العالم في أبوظبي أو السفر للقائهم في بلدانهم.
أما على الصعيد الداخلي فقد أصدر العديد من القرارات التي تصب في مصلحة المواطن ومصلحة المقيمين في الدولة وبما يخدم الاقتصاد المحلي في ظل التحديات الاقتصادية التي يعيشها العالم.
كما أنه، وبعد عشرة أشهر من وفاة رئيس دولة الإمارات وحاكم أبوظبي الشيخ خليفة بن زايد، أصدر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات حاكم إمارة أبوظبي عدة قرارات مهمة لترتيب بيت الحكم في الإمارات وفي أبوظبي، فقد أصدر مرسوماً أميرياً بتعيين ولي عهد أبوظبي وقرارات بتعيين نائب ثان لرئيس الدولة ونائبين لحاكم إمارة أبوظبي.
ولم يكن تعيين الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان وليا للعهد في إمارة أبوظبي، وهو ابن الشيخ محمد بن زايد الأكبر، مفاجئاً للكثيرين على الرغم من حالة الترقب التي كان يعيشها البعض، فالمهام التي اضطلع بها الشيخ خالد خلال السنوات الماضية والمسؤوليات الكبيرة الموكلة إليه في إمارة أبوظبي كانت تشير إلى أن مهمة كبيرة يتم إعداده لها.
وما يجعل هذا الاحتمال هو الأرجح هي آليات وفلسفة التكليف بالمهام في أبوظبي، فقد رأينا في عهد الشيخ زايد رحمه الله أنه اختار ابنه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد ليكون ولياً للعهد وهو كان لا يزال شاباً في العشرينات من عمره، وكانت أبوظبي في بدايات دخول مرحلة جديدة من تاريخها، وفي الوقت نفسه كان اتحاد دولة الإمارات قيد التأسيس، فعوامل الثقة والكفاءة والسن مهمة جداً ويتم وضعها في الحسبان في تولي المناصب وخصوصاً السن ليأخذ ولي العهد وقته في اكتساب المزيد من الخبرات ويكون جاهزاً عندما يتولى الحكم، فضلاً عن أن يكون لا يزال في عمر العطاء وهو على كرسي الحكم، وهو الأمر الذي حدث مع الشيخ محمد بن زايد عندما عيّنه الشيخ زايد طيب الله ثراه، وهو لا يزال شاباً، نائباً لولي العهد ليصبح بعد ذلك ولياً للعهد في أبوظبي بعد تولي الشيخ خليفة رحمه الله الحكم.
أما أصحاب الخبرة في إدارة الأمور والحكم في البلاد فلهم التقدير الخاص، فتعيين الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائباً لرئيس الدولة إلى جانب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جاء تقديراً للعطاءات والأدوار الكبيرة التي قام ويقوم بها الشيخ منصور بن زايد في الشأن الاتحادي للدولة منذ ربع قرن، والأدوار المكلف بها حالياً، وخصوصا الملفات الاقتصادية التي ترتبط بالرؤية الجديدة للدولة في الخمسين سنة المقبلة. كما أن الوضع في الإمارات اليوم (سواء السياسي والاجتماعي والاقتصادي والخطط المستقبلية الطموحة للدولة) يتطلب وجود أكثر من نائب لرئيس الدولة، لذلك كان تعيين الشيخ منصور بن زايد نائباً لرئيس الدولة منطقياً ومرحباً به شعبياً ورسمياً في الدولة.
وعلى الصعيد المحلي فقد ترجم الشيخ محمد بن زايد تقديره لإخوانه الذين تحملوا المسؤولية في إمارة أبوظبي لسنوات ولا يزالون يقومون بأدوار مهمة بتعيينهم نواباً له فكان قرار بتعيين الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان والشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائبين لحاكم أبوظبي لدورهما الأساسي في إدارة شؤون أبوظبي إلى جانبه خلال السنوات الماضية، الأمر الذي جعل المواطنين يتلقون هذا القرار بترحيب وتقدير لما يعرفونه من أدوارهما ومساهمتهما الكبيرة في إمارة أبوظبي، وهي الحالة التي تتكرر للمرة الثانية في التاريخ الحديث لإمارة أبوظبي، ففي الستينات من القرن الماضي عندما تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي قام بتعيين شقيقه الشيخ خالد بن سلطان آل نهيان نائباً لحاكم أبوظبي الذي كان له نعم العضيد والمعين في سنوات حكمه الأولى.
إن القرارات التي صدرت لترتيب بيت الحكم في دولة الإمارات وفي إمارة أبوظبي ضمت مشاهد مهمة للتاريخ، نذكر ثلاثة منها:
أولاً: أن أبوظبي والإمارات أكدت من جديد أن سلاسة انتقال الحكم هي من سمات دولة الإمارات وقيادتها وأن الاستقرار هو الثابت الذي لا يتغير، فلأكثر من عشرة أشهر كان منصب الرجل الثاني في إمارة أبوظبي شاغراً، لكن الأمور كانت تسير بشكل طبيعي، فلم يتأثر العمل ولم يتأخر الإنتاج ولم تتعطل المشاريع ولم يتذمّر أحد، وعندما صدرت المراسيم والقرارات كانت محل ترحيب من جميع أعضاء المجلس الاعلى للاتحاد حكام الإمارات ومن شيوخها ومن الشعب في مختلف الإمارات.
ثانياً: أن اختيار الأنسب والأصلح هو المعيار، دون التقيد بمعايير أخرى، فعندما يكون الأنسب هو الابن يقع عليه الاختيار وعندما يكون الأنسب هو الأخ يكون هو المختار، وتبقى مصلحة الوطن والشعب هما المعيار لدى الجميع. فعندما تطلب الأمر استحداث منصب جديد في هيكل الدولة وأن يكون هناك نائب ثانٍ لرئيس الدولة رحب الجميع بذلك وكان أولهم كالعادة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، القائد الذي حمل المسؤوليات الكبيرة لسنوات طويلة بكل قوة وثقة وبكل تجرد وأمانة وخصوصاً في سنوات مرض رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله.
ثالثاً: أن الشباب هو الرهان الحقيقي لدولة الإمارات وهو الاختيار الدائم للقيادة الإماراتية التي تؤكد في كل مرة أن على الجيل الجديد أن يكون مستعداً لتحمل المسؤوليات ولقيادة البلاد للمرحلة المقبلة، ويأتي اختيار الشيخ خالد بن محمد بن زايد وهو لا يزال في بداية الأربعينات من عمره ليؤكد أن الإمارات تختار تجديد الدماء بشكل مستمر ليس في الشكل فقط وإنما في المضمون أيضاً.
فاختيار الشيخ خالد لا يأتي لأنه شاب ولا لأنه ابن الحاكم فقط، وإنما السبب الأهم هو أنه أثبت خلال السنوات الماضية كفاءته وجدارته من خلال المسؤوليات العديدة التي تحملها والمناصب التي تولاها وأثبت أنه الشخص المناسب في الوقت والمكان المناسبين، بعد أن حقق النجاح في المسؤوليات التي أوكلت إليه ليثبت كفاءته واستحقاقه لدور أكبر في قيادة منظومة العمل الحكومي في إمارة أبوظبي.
وكل هذا لم يأتِ من فراغ، فقد كان لتربية الشيخ خالد ونشأته في كنف والده الشيخ محمد بن زايد أكبر الأثر في تكوين شخصيته القيادية وصقلها وكان لنشأته في مدرسة جده المؤسس الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه أساس البناء في رؤيته للعمل من أجل الوطن والمواطن.
إن ما يميز الحكم في الإمارات هو الاستقرار وسلاسة انتقاله وهذا الامر انعكس بشكل مباشر على حالة الازدهار والتنمية التي تعيشها دولة الإمارات خلال الخمسين سنة الماضية، وهي الحالة التي تتشابه فيها دول الخليج الست إلى حد كبير، فحالة انتقال الحكم في الإمارات وفي إمارة أبوظبي لا تختلف كثيراً عن حالة انتقال الحكم في دول الخليج الأخرى.
فمن يراقب انتقال الحكم في التاريخ الحديث للمنطقة وبالتحديد في الخمسين سنة الماضية مع انتقال الدول إلى حالة الدولة الحديثة، يلاحظ ان انتقال الحكم – في أغلب الأحوال – يكون وفق توافق عام في كل دولة حسب نظامها، وانتقال الحكم في هذه الدول يتراوح بين الانتقال الرأسي والانتقال الأفقي فينتقل الحكم رأسيا من الأب إلى الابن الأكبر في الأغلب، أو ينتقل أفقيا إلى الأخ وفي أحيان قليلة ينتقل إلى أبناء العم، ففي الإمارات مثلا فإنه في أبوظبي استلم الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه الحكم من بعد أخيه الشيخ شخبوط بن سلطان ومن بعد الشيخ زايد انتقل الحكم إلى ابنه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد ومن الشيخ خليفة إلى أخيه الأصغر الشيخ محمد بن زايد ويسلم الشيخ محمد بن زايد ولاية العهد لابنه الأكبر الشيخ خالد بن محمد.
وفي دبي تكررت نفس الحالة فقد انتقل الحكم من الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى ابنه الأكبر الشيخ مكتوم بن راشد وانتقل من الشيخ مكتوم إلى شقيقه الأصغر الشيخ محمد بن راشد ويسلم الشيخ محمد بن راشد ولاية العهد لابنه الثاني الشيخ حمدان بن محمد.
وفي إمارة الشارقة بعد وفاة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي انتقل الحكم إلى ابن عمه الشيخ خالد بن محمد القاسمي والذي بعد رحيله انتقل الحكم إلى شقيقه الأصغر الشيخ سلطان بن محمد القاسمي والذي يسلم ولاية العهد لأحد أبناء عمومته وهو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي. أما في باقي الإمارات وهي رأس الخيمة وعجمان وأم القيوين والفجيرة فيتشابه الوضع حيث ينتقل الحكم رأسيا من الآباء إلى الأبناء. أما في دول الخليج الأخرى فانتقال الحكم يكون الآتي؛ ففي المملكة العربية السعودية ظل الحكم ينتقل من بعد الملك عبدالعزيز بن سعود إلى أبنائه الملك سعود ثم الملك فيصل ثم الملك خالد ثم الملك فهد ثم الملك عبدالله وحاليا الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي غيّر قاعدة الحكم بتكليف ولاية العهد لابنه الأصغر الأمير محمد بن سلمان لتكون ولاية العهد في أحفاد الملك عبدالعزيز بعد أن كانت دائما في أبناء الملك عبدالعزيز.
وفي سلطنة عمان فقد استلم الحكم السلطان قابوس بن سعيد بعد والده ثم انتقل الحكم بوصية مكتوبة من السلطان قابوس إلى أحد أبناء عمه وهو السلطان هيثم بن طارق الذي يسلم ولاية العهد لابنه الاكبر ذي يزن بن هيثم.
وفي البحرين استلم الحكم الملك حمد بن عيسى من والده الشيخ عيسى بن سلمان، ويسلم الملك حمد ولاية العهد لابنه الأكبر الشيخ سلمان بن حمد.
أما في قطر فقد كان انتقال الحكم يتم بشكل مختلف خلال الخمسين سنة الماضية فقد انتزع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني – كان وليا للعهد – الحكم من ابن عمه الشيخ أحمد بن علي آل ثاني حاكم قطر، ليأتي بعد سنوات وينتزع ابنه الشيخ حمد بن خليفة – كان وليا للعهد – منه الحكم أثناء تواجده خارج قطر، وبعد ذلك تنازل الشيخ حمد بن خليفة عن الحكم لابنه الأصغر الشيخ تميم بن حمد ليصبح الشيخ تميم أميرا لدولة قطر، ولا يزال منصب ولي العهد شاغرا في قطر.
وفي الكويت ينتقل الحكم في ذرية الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير) ويتولى الحكم ذرية ابنيه سالم المبارك الصباح وأحمد المبارك الصباح ومن بعد منتصف القرن العشرين انتقل الحكم من الشيخ عبدالله السالم إلى أخيه صباح السالم وبعد ذلك إلى ابن عمه الشيخ جابر الأحمد ثم إلى ابن عمه الشيخ سعد العبدالله ثم عاد إلى ابن عمه الشيخ صباح الأحمد ومن الشيخ صباح انتقل الحكم إلى أخيه الشيخ نواف الأحمد، والشيخ نواف رشح أخاه الشيخ مشعل الأحمد ليستلم ولاية العهد.