مشتركات إنسانية في مواجهة التطرف
د. فاطمة الصايغ – صحيفة البيان الإماراتية
أدركت دولة الإمارات منذ بداية تأسيسها، أن هناك قيماً ومشتركات إنسانية عالمية، تمثل قاسماً مشتركاً لكل البشر، على اختلاف أجناسهم وأديانهم، وأن تفعيل تلك المشتركات، وإبراز دورها، يمثل ركيزة مهمة جامعة للناس، على اختلاف أطيافهم وعقائدهم، للتعايش السلمي.
ولكي يسود عالم خالٍ من التطرف والعنف ونبذ الآخر، ويدعو إلى التفاهم والتعايش، يجب البحث عن مَوَاطن البناء في تلك المشتركات. ومن الجانب الآخر، يأتي التطرف والغلو، محاولاً دق إسفين في قلب تلك المشتركات الإنسانية، حيث يبحث في الجوانب التي تمكنه من أن يدخل إلى قلب تلك المشتركات ويقلب الحقائق.
لقد برز التطرف كأحد القضايا الخطيرة التي يعاني منها عالمنا اليوم. فهو يهدد، ليس فقط السلم الاجتماعي، بل الأمن والاستقرار العالمي، كما يشكل خطراً على مصير الكثير من القضايا الاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية؛ فهناك الملايين من البشر يفرون بصورة يومية من مناطق الصراعات والنزاعات والعنف الناجم عن التطرف، إلى مناطق أكثر أمناً، الأمر الذي يؤدي إلى هجرات غير مقننة، وكوراث إنسانية، نسمع عنها بصورة دائمة. كما يرمي التطرف بظلاله الكثيفة على اقتصادات العالم، إذ يؤدي إلى ظهور الفقر والبطالة والهجرات غير الشرعية.
وبما أن التطرف يقف اليوم في مواجهة المشتركات الإنسانية، فلا بد من وقفة دولية لمواجهة هذه الآفة. وبما أنه لا توجد حضارة أو ثقافة عاشت وحدها دون الاختلاط بالآخر المختلف، فإن هناك ضرورة للتلاقي عند المشتركات الإنسانية، والبناء عليها، والتوعية بمخاطر التطرف والغلو.
وتكمن التوعية بمخاطر التطرف، من خلال غرس القيم الدينية الصحيحة في نفوس النش، وبناء شخصية تقبل الاختلاف مع الآخر وتحترمه. فالقيم الإنسانية هي مشتركات عالمية، وهي التي تعمل كلقاح ضد الفكر المتطرف، وتعمل على ترسيخ قيم الاعتدال، وتوظيف المشتركات الإنسانية لخير البشرية جمعاء. وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة البحث عن مواطن البناء لا الهدم، والتلاقي عند المشتركات الإنسانية التي تجمع شعوب العالم.
ويبدأ البحث عن المشتركات الإنسانية، من الأسرة، التي تلعب دوراً مهماً في التنشئة والتوعية ضد التطرف والغلو.
ويمثل دور الأسرة في غرس القيم الإنسانية، مثل ثقافة التسامح واحترام الآخر المختلف، واحترام عقائد الآخرين، والتوعية بأن جميع الأديان تدعو للتسامح وتقبل الآخر، وأن التطرف يؤدي إلى التفريط في الدين وإضاعته، عوضاً عن حمايته. ولذا، فإن تقويم سلوك الأبناء وفق الضوابط الدينية، وتمهيد علاقاتهم المجتمعية المستقبلية، وحمايتهم من رفقاء السوء، قضية مجتمعية وأسرية غاية في الأهمية.
من الجانب الآخر، فإن غياب الوعي داخل الأسرة يشكل بيئة خصبة للمتطرفين الذين يغرسون فيها أفكارهم واعتقاداتهم الخاطئة، ورؤيتهم المغلوطة للعالم والمجتمع. لذا، تعمد جميع المجتمعات على تعزيز دور الأسرة، لما لها من أهمية في غرس ثقافة التسامح وتقبّل الآخر.
على صعيد الدول، تعمد المجتمعات الواعية إلى الاستفادة من طاقات الشباب، وإشغال أوقات الفراغ لديهم، وتشجيعهم على العمل التطوعي، الذي يفرغ طاقاتهم، ويقوي من شعورهم بالانتماء والمسؤولية الاجتماعية. كما تعمد إلى العمل على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، للقضاء على الفقر والأمية والفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي جميعها عناصر خصبة لنمو التطرف.
لقد أدى انتشار التطرف العنيف إلى انتشار الإرهاب الذي يقوض السلم العالمي، ويؤدي إلى نشر الفوضى وتقويض مبادئ السلام العالمي.
ولم يقتصر التطرف على بلد أو منطقة محددة من العالم، بل ساهمت ثورة الاتصال في انتشاره، ولم يسلم أي بلد من آثاره السلبية على المجتمع والاقتصاد ككل. ويعد التطرف الفكري من أسوأ أنواع التطرف، فهو قادر على التأثير سلباً في شخصية الفرد، وملئه بكل أشكال الكراهية ونبذ الآخر، حيث لا يدع مجالاً للحوار، أو تقبّل الآخر المختلف.
لقد تداولت مجتمعات العالم، كيفية التصدي لظاهرة التطرف الفكري والإرهاب، وتوصلت إلى أساليب معينة: فرسالة التعصب الديني مثلاً، يمكن التعاطي معها عن طريق التوعية بخطاب الوسطية وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي، ونبذ التعصب الديني والثقافي، ومقاومة الجماعات المتطرفة، التي تتبنى الخطاب المتطرف، وتدعو للعنف.
وفي هذا الإطار، تؤكد دولة الإمارات دوماً على ضرورة تعزيز ثقافة الحوار، وضرورة وجود مجتمع رائد عالمياً في التفاهم والتعايش السلمي. ويبدو أن عالمنا اليوم أحوج ما يكون إلى العودة إلى المشتركات الإنسانية، وتفعيل دورها في مواجهة التطرف، واللجوء إلى القواسم المشتركة التي تجمع شعوب العالم في مواجهة الاختلافات التي تفرقه.